مساوئ الكذب وكيفية التخلص منه

إفتراضي الكذب مساويه وعلاجه
قال الله تعالى : (( ويل لكل افاك أثيم )) الجاثية اية (7)

وقال الله جل وعلا : (( إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله واولئك هم الكاذبون )). النحل آية 105

إن الكذب من اعظم الآثام وابغضها إلى الله سبحانه وهو من المعاصي التي نهى الله تعالى عنها وتوعد فاعلها بالعذاب الشديد بل هو من اكبر الكبائر قال رسول الله (ص) : (( ألا أخبركم باكبر الكبائر : الإشراك بالله و عقوق الوالدين وقول الزور )) أي الكذب 0

وقال أمير المؤمنين علي (ع ) : (( اعظم الخطايا عند الله اللسان والكذب ) .

أما ما يستحقه فاعله من العقاب فيكفي لبيان ذلك ما قاله العزيز الجبار في الآية الاولى المتقدمة حيث قال تعالى (( ويل ... )) وكلمة الويل تستعمل للمبالغة في التوعد بالعذاب والعقوبة الشديدين .

كما انه جاء في الحديث ان الصادق الامين (ص) قال : (( المؤمن اذا كذب من غير عذر لعنه سبعون ألف ملك وخروج من قلبه نتن حتى يبلغ العرش , فيلعنه حملة العرش , وكتب الله بتلك الكذبة سبعين زنية أهونها كمن زنى مع أمه )) صدق رسول الله (ص) 0

وان الكذب ليؤدي بصاحبه الى النفاق والخروج عن ربقة الأيمان قال عز اسمه : (( فأعقبهم نفاقا في قلوبهم الى يوم يلقونه بما اخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون )) التوبة آية 77 0

و قال الأمام الباقر (ع) : (( أن الكذب هو خراب الأيمان )) وذلك لان الكذب مفتاح كل رذيلة وهو داعية للوقوع في الآثام والشرور 0 قال الأمام ابو محمد العسكري (ع) : (( جعلت الخبائث كلها في بيت وجعل مفتاحها الكذب )) 0

أن وجود هذه الآيات والأحاديث الشريفة الواردة في ذم الكذب والنهي عنه والتحذير من اقترافه مضافاً إلى مالا يحصى من النصوص الأخرى الواردة في هذا المضمار والتي لا يسمح لنا ضيق المقام بذكرها , يجعلنا نطمئن تماماً أن قول تعالى : (( إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون )) وصف حقيقة لا مجازي يعبر عن واقع الإنسان حينما يجترح الكذب فان المؤمن الحقيقي لا يكذب أبدا )) 0

لذا حينما سئل رسول الله (ص) : (( يكون المؤمن جباناً ؟ قال نعم : قيل ويكون بخيلاً ؟ قال نعم : قيل ويكون كذاباً قال لا )) 0

ولهذا فان علينا جميعا اجتناب الكذب صغيره وكبيروحقيره وعظيمه فأن فيه سخط الجبار ودخول النار اعاذنا الله وجميع المؤمنين من لهيبها وصلي حميمها .

تعريف الكذب :

لابد لنا من أن نتعرف على معنى الكذب حقيقته : فنقول أن معنى الكذب هو : قول ما يخالف الواقع مع العلم بانه مخالف للواقع .

فان من الواضح أن من يخبر بشيء يخالف الواقع ولكنه لا يعلم بذلك بل كان يظنه هو الصواب فان مثل هكذا شخص لا يسمى كذباً بل إنما هو مخطأ ليس ألا . وهذا قد يكون معذوراً ولا تشمله النصوص والروايات المتقدمة فهو ليس محل لحديثنا0

أما من يعلم بأنه يخبر بما يخالف الواقع تماما ويصر عليه فهو الكذاب فعلا ً.

ثم انه ولشديد الأسف ومما يعتصر القلب له أن هذا المعنى وهو الكذب مما نراه مستفحلا في مجتمعاتنا الإسلامية المعاصرة بل قد نجد أنفسنا غافلين عن عظيم رزيته ومستسهلين لفادح جريرته . لا يسلم كثير من كلامنا وأحاديثنا منه . بل قد نستطيب في بعض الأحايين التحدث والتفكه به .

فالبائع يكذب ليسوق مبيعاته ,و المبغض لشخص يكذب عليه ليسيئ له ويرضي ضغينته وحقده عليه والسياسي يكذب لينال رضا الجماهير وهكذا الزوجة تكذب على زوجها والابن يكذب على والديه ليجتنب توبيخهما والآباء يكذبون ليسكتوا الأبناء .حتى بلغت الحالة بالبعض الى أن يكذب لا لشئ ألا لاجل أن يعجب جلساءه بحديثه او ليتفكه بالكذب مستصغراً له وغير مبال بما يفعله حتى يستولي الكذب عليه ويكون ملكه ملازمه له . مع أن الكذب كذب صغيره وكبيره .

ورد عن رسول الله (ص) ان أسماء بنت يزيد سألته قائلةً : ( ان قالت احدنا لشيء تشتهيه : لا أشتهيه (حياء أو لامر اخر )

يعد ذلك كذباً ؟ قال : ان الكذب يكتب كذبا حتى تكتب الكُذيبة كذيبة ) 0

وقال الأمام زين العابدين (ع) : (( اتقوا الكذب الصغير منه والكبير في كل جد و هزل فان الرجل اذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير )) وقال رسول الله (ص) : (( ويل للذي يحدث فيكذب ليـُضحك به القوم , ويل له ويل له )) 0

مساوئ الكذب وآثاره :

أن للكذب مضافاً لما يوجبه من سخط الجبار وصلي النار مساوئ واضرار على الفرد بشكل خاص والمجتمع بشكل عام منها :

1- انعدام الثقة بين افراد المجتمع عند شياع الكذب وقول الزور بينهم وهذا من اخطر مساويه فهو يؤدي الى الشك في اقوال الاخرين واتهامهم وعدم الاعتماد على ما يخبرون به وهو مدعاة لتعاسة المجتمع وانهياره كما لا يخفى .

2- مهانة الكاذب وسقوط اعتباره بين الناس وسوء سمعته وافتضاحه وذلك ان الكذاب مهما كان بارعا في كذبه فان حبل الكذب قصير وان من المعروف ان من يكذب لا يلبث حتى يأتي بما يكذبه او يظهر ما ينكشف به كذبه اما لنسانه ما قاله اولا ً(( فانه لا حفيظة لكذوب )) قال الامام الصادق (ع) : (( ان مما اعان الله به على الكذب النسيان ))

او لقوله ما يناقض كلامه السابق قال الامام امير المؤمنين (ع) : (( شتر القول ما نقض بعضه بعضاً )) 0

فلا يسمع له حديث بعدها ولا يصدق في قول , و يستهان به وهذا لعمري اسوء من الموت واتعس 0

قال علي (ع) : ((الكذب والميت سواء فان فضيلة الحي على الميت الثقة به فاذا لم يوثق بكلامه فقد بطلت حياته )) 0

ومن ثم فانه حتى لو صدق في قوله بعدها فانه يحكم بالكذب لا يقبل منه عن الامام علي (ع) : (( الكذاب متهم في قوله وان قويت مجتة وصدقت لهجته )) .

وان امرا ًهذا ماله ومنتهاه لحري بكل عاقل اجتنابه والهرب منه اشد الهرب وهل شئ اشنع من الافتضاح والعار والسقوط في اعين الاخرين فكيف اذا كان مع كل ذاك النار وغضب الجبار .

قال الامام علي (ع) : (( ثمرة الكذب المهانة في الدنيا والعذاب في الاخرة ))0

اجارنا الله سبحانه والمؤمننين من مثل هذا واشباهه 0

3-اسوداد الوجه قال رسول الله (ص) : (( ان الكذب يسود الوجه )) واي سواد , سواد الخزي والخذلان وعلامة المقت والعصيان فلا تجد له نوراً ولا بـهاء اً ولا سيماء الصادقين الاخيار0

وقال الامام الصادق ( ع) : (( لا تكذب فيذهب بهاءك )) 0

4- ينقص الرزق ويورث الفقر قال رسول الله (ص) : ((الكذب ينقص الرزق )) وقال الامام علي (ع) : (( اعتياد الكذب يورث الفقر )) 0

ولعل ذلك ناتج من سوء ظن الناس به وعدم ثقتهم بقوله وابعادهم إياه فالناس اذا وثقوا بانسان اعتمدوا عليه وشاركوه في تجارتهم وابتاعوا منه رضاً وتصديقا لقوله .

نكتفي بهذا المقدار من بيان مساوئ الكذب وآثاره الكثيرة لان كل واحد مما ذكرناه فضلا ً عن الجميع كفيل بجعل العاقل اللبيب الذي يحرص على دينه ودنياه يجتنبه اشد الاجتناب 0

أسباب الكذب ودواعيه :

ان للكذب اسبابه ودواعيه التي من اهمها :

1- شعور الكاذب بضمور منـزلته ومكانته بين الناس فيحاول ان يدعي ما ليس فيه او قول ما يجلب انتباه الناس له وسماعهم إياه . قال رسول الله (ص) : ((لا يكذب الكاذب الا من مهانة نفسه) 0

والمسكين يغفل ان مما يؤدي به عاجلا الى الافتضاح وازدراء الناس منه عند اطلاعهم على الحقيقة .

2- الطمع : وهو من اقوى دوافع الكذب فالكاذب غالبا ما يكذب ليحقق لنفسه مصالح دنيوية اشباعاً لرغباته الدنيئة 0
3- العداء و الحسد وما اكثر الابتلاء به فانه ما ان تحصل عداوة ونزاع حتى لا يطيق بعدها ان يسمع في خصمه مديحاً او اطراءاً بل انه يبادر في كل مناسبة او غير مناسبة لذمه والنيل منه حتى يلفق عليه التهم والاباطيل استجابة لحقده عليه ومحاولة للانتقام منه 0قال الامام الصادق (ع) : (( من روى على مؤمن رواية يريد بها شينة وهدم مرؤته ليسقط من اعين الناس اخرجه الله تعالى من ولايته الى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان )) 0

اعاذنا الله تعالى واخواننا المؤمنين من الوقوع في هكذا منـزلقات ونشر بينها المحبة والوئام0

4- العادة : قد يجترح المرء الكذب لا لشئ سوى اعتياده على ذلك واستخفافه به وهذا مرجعه اما لجهله او لضعف الواعز الديني والاخلاقي عنده منذو البداية حتى يستحكم عليه الكذب وتمتد جذوره في اعماق نفسه فلا يرى بعدها بأساً فيه ويستحلي الكلام فيه فيستعصي علاجه 0

لذا قال بعض الحكماء : (( من استحلى رضاع الكذب عسر فطامه )) 0

علاج الكذب :

الجدير بكل مؤمن يجذبه الهوى والشيطان بين الحين والآخر لاقتراف الكذب وفعله ان يعالج نفسه من هذا الـخلق الذميم والإثم العظيم . بالاستفادة بالنصائح التي نذكرها فأنها تعينه في ترك الكذب والأعراض عنه ان شاء الله : منها :

1- قراءة الآيات والأحاديث الواردة في ذم الكذب والنهي عنه ومحاولة التأمل والتدبر فيها لكي يكون واقـفا على ما في الكذب من عظيم الذنب وخطير العقاب ويوطن نفسه على عدم اقترافه نهائيا وعليه ان يعاود قراءتها بين الحين والاخر لكي تكون حاضرة لديه ولا ينساها

2- التدبر والتأمل في مساوئ الكذب وآثاره القبيحة التي بيناها من فساد المجتمع وسوء سمعة وايراث الفقر ...... الخ 0

فان كل من له حض من التفكر والنظر لا يرضى لنفسه أو للمجتمع الذين يعيش فيه التلبس بادنى واحدة منها .

3- أن يستعرض فضائل الصدق ومآثره الجليلة والنصوص الواردة في مدحه وتعين الثواب الجزيل على التزامه .

4- أن يتعهد مع نفسه منذ الآن بان لا يكذب ويروض نفسه على ذلك فان سوف يجد شيئا فشيئا ان الصدق اصبح ملكة فيه وان الكذب صار ابعد شئ عنه يستهجن النطق به ولا يطيق سماعه من غيره . فعند ذلك تزكو نفسه و تصفو سريرته 0ويستشعر العز والفخار ورضا الجبار عنه والناس أجمعين 0

5- الاستعانة بالدعاء بان يدعو الله تعالى ان يعينه ويعصمه من اقتراف الكذب وهناك ادعية مذكورة في طلب حسن الخلق والتزام الطاعة

الله يخليكي يا رب


وزيد المجتمع من امثالك يا رب

أختك في الله